وصلتنى عدة رسائل حول فيلم الميدان، اخترت منها رسالة د. يحيى طراف، أستاذ عظام الأطفال، يقول د. يحيى فى رسالته:   شاهدت على «اليوتيوب» فيلم «الميدان» الذى يُعرض حالياً بدور العرض فى الولايات المتحدة، وتصاحبه دعاية أنه مرشح بقوة لنيل جائزة الأوسكار، ورأيى المتواضع، ولعلى أن أكون مخطئاً، هو أن هذا الفيلم هو محاولة ذكية بالفعل من أصحابه للحصول على الأوسكار، فكان ذلك على حساب الكثير من الحق والحقائق. فالفيلم فى تأريخه لثورة ٢٥ يناير انتهاء بثورة ٣٠ يونيو، راعى المزاج الأمريكى، فحرص على ألا يأتى من المشاهد أو الأحداث بما قد يعكر صفوه، وبالتالى يقلل من فرصة حصوله على الجائزة الأمريكية العالمية التى يصبو إليها.   عرض الفيلم لأحداث الثورة من خلال نماذج عدة لشباب صغير السن، أكبرهم فى الثلاثين أو تجاوزها قليلاً، حتى ليحسب المشاهد أن الثورة كانت ثورة شباب. وليس يغمط دور الشباب أحد، لكنهم كانوا عود الثقاب أو الشرارة التى بدأت النار، ولم تشتعل النار وتتوهج ويحيط سرادقها بالنظام إلا بوقودها من الغضب الشعبى العارم الذى انضم لهؤلاء الشباب، فحوّل مظاهراتهم يوم ٢٥ يناير من مجرد احتجاج على ممارسات الشرطة، إلى ثورة شعبية عارمة يوم ٢٨ يناير طالبت بإسقاط النظام كله، ولولا هذا الوقود الشعبى الذى غذى نار الثورة، لانطفأت جذوة الشباب كما انطفأت سابقاتها.   كذلك ظل بطل الفيلم الشاب الثائر الذى عايشنا الأحداث من خلاله، يردد أن خطأ الشباب هو أنهم تركوا الميدان من قبل أن تتحقق كل مطالب الثورة، فماطل فيها المجلس العسكرى والتف مع الإخوان حولها. وهذا لعمرى الخطأ الفاحش الذى يدركه الشباب قبل غيرهم، فالإخوان تسللوا إلى أروقة المجلس العسكرى وسرقوا الثورة لأنهم كانوا بنياناً مرصوصاً يشد بعضه بعضاً، فى الوقت الذى انقسم فيه الشباب على أنفسهم إلى عشرات وعشرات الائتلافات والأحزاب طمعاً فى الصدارة والأضواء، فتفرقوا وذهبت ريحهم؛ وليس لتركهم الميدان قبل الأوان.   ولم يدخر الفيلم وسعاً فى التعريض بإدارة المجلس العسكرى للبلاد، وإبراز سقوط الشهداء فى الاشتباكات مع الجيش فى كل المواقف وأمام ماسبيرو ودهس الشهيد مينا دانيال تحت المدرعة، وبعد ذلك تعرية الجنود للناشطة فى أحداث مجلس الوزراء. عرض الفيلم لهذه المواقف والمشاهد بالتفصيل، وكان يتركها ليعود إليها، فأخلّ بالنسبة الصحيحة والتناسب بين الأحداث حين جاء بما يريد عرضه مرات ومرات، وأخفى ما لا يريد عرضه، وذلك ليعزف لحن جبروت العسكر وديكتاتوريته وطغيانه، وهو ما يشنّف تماماً الأذن الأمريكية ويُرضى مزاجها والنشطاء.   ثم بدا انحياز الفيلم وعدم التزامة بأمانة التوثيق واضحاً سافراً جلياً حين تجاهل عن عمد، بعد احتفائه بمشاهد عنف «العسكر» وتكرارها وتهويلها، عرض أى من مشاهد اعتصام رابعة المسلح (أو قل احتلال منطقة رابعة السكنية وجعل سكانها رهائن)، وهو ما لم تكن لتقبل بمعشاره أمريكا على أرضها أو أية دولة ممن تتشدق بحقوق الإنسان، ذلك لأن عرض حقيقة هذا الاعتصام المسلح وأهواله كان سيعطى المبرر الحقيقى لفضّه بالقوة من جانب الشرطة والجيش وهو ما حدث، لكن ذلك ما لم يرده صانعو الفيلم حتى لا يكون دفاعاً عن «العسكر»، فلا يصادف هوى الأمريكان. بل زاد الفيلم على ذلك أن صوّر مكالمة هاتفية بين بطل الفيلم الثائر الشاب، وصديقه الإخوانى قالباً الثائر قلباً والمعتصم فى رابعة، يقول له فيها إنه مستعد أن يتضامن معه بالاعتصام بجانبه فى رابعة ولو كلفه ذلك حياته. هكذا روّج الفيلم لمن لا يعلم حقائق الأمور، اعتصام رابعة وكأنه اعتصام سلمى نبيل وتعبير مشروع عن الرأى يؤمه متظاهرون «سلميون»، فجاء فضه بطبيعة الحال اعتداء من جانب النظام على المتظاهرين السلميين وشراً وحجراً للرأى، وهو ما يحب الأمريكان أن يروه.   لن أدهش لو فاز الفيلم بجائزة الأوسكار، فقد وضعها صانعوه نصب أعينهم وهم يُخرجون فيلمهم، لعلمهم أن أمريكا تبذل الجوائز والتكريم لأبناء الشعوب الأخرى ممن يقولون قولها ويستقبلون قبلتها ولو على حساب بلادهم، والأمثلة من حولنا كثيرة. لكن الفيلم لمن عايش الأحداث مثلنا قصّر فى نقل الصورة الكاملة لها، وتبنى وجهة نظر واحدة أخضع لها إمكاناته ووظف لها كاميراته، وتجاهل السرد الوافى الأمين الذى كان يقتضيه مثل هذا النوع من الأفلام التأريخية والتوثيقية.